أي عـدالة نرجـوهـا تـحت صوت الرصاص وانفجار الصواريخ ، كيف لنا إيجـاد دواء لـداء اسـتعـصى على كثير من الليبين . انه لـمن المجـحـف أن يفلت الجاني من الحساب ، كما إنه ليست من المروة في شي ء أن يُهجر المـواطن داخـل بلده ويصبح غريبـا في وطـنه وبين أهله بدون جرم اقترفه .
إن الصراع القائم في ليبيا ليس وليد هذه اللحظة أنما هو صراع موجـود مـند فترة ليست بـقريبـة ، فسـياسـة القمع وإسكات الأفواه التي تبناها النظام السابق كانت تلجم هذه الصراعات وتقلل من حدتهـا لمصلحته .
فمن جهـة نجـد أن أغـلب تلك الصـراعات تـكـون على نـقـاط التماس بـين الـقـبائل المـتجـاورة بـســبب نـزاع عـلى الحـدود أو الـزراعـة أو الـرعي . ومـن جهـة أخـرى ، نجـد أن ثورة 17 فبراير كانت احد أهم التجارب في تحـديد مـدى حــدة الصـراع والـدور الـذي مـارسـه نظـام الطاغية خـلال الـثـورة لتـأجـيج الـنـعـرة بـين القـبائـل، وهـذا الأمـر يبـدو واضحـاً للعـيان . فـإذا ألـقـينـا الـضـوء عـلى قبائـل المـنطـقـة الشــرقـية نجد أن الـصـراع يكـاد يتـلاشـى وينـتهي عـنـد قبائل الشـرق اللـيبي رغـم أن التأثـير القـبلي أكثر تعقـيداُ هـناك ، ولعـل السبب الرئيس وراء ذلك يعـود إلـى أن هـذه المناطق تـحـررت مـع بداية الثورة ، في حـين نـرى أن قـبائل منـاطق الغرب من ليبيا ضلت تقاوم كتائب القدافي ووصل الصراع أحياناً إلى دورتـه .
فقد عمل نظام القذافي المقبور على المورث القبلي طـيلـة أربـعـة عقـود و نيف ، وخـلال الثـورة ظهـرت الوجـوه الحـقيقية التـي كـانت تحكم ليبيا وراء الكـواليس فحـرك ألته الإعلامية وجلب زبانيته ومرتزقته ليخوض حـربه على شعبـه ، و استـغل انـدفـاع بعـض الشـباب المغـيبين بإيهـامهـم أن مـا يجـري في ليبيا هو احـتـلال وان الوطنية تحتم عليهم الدفاع عن الوطن ، كما قام بإطلاق صراح السجـناء المحكومين في قضـايا القـتل و تـهـريب المـخـدرات والجـج بهـم في الجبهـات للسـرقـة وهـتـك الأعـراض ، واستغـل أمـية وجهـل كـبار السـن وصور لهـم أنـه صـمـام أمـان للشعـب الليبي وأن وجـوده يعني الأمن وأن كل ما يحدث على الساحـة مـن اغـتصاب وهـتك للعـرض مـن فعـل جـماعـات الثـوار ، كمـا استغل الجـانب الـديني فأحـضـر أحـبـاره ورهبانه وسـتخف بقـومه فـأطـاعوه وإدعـاء المـلك لـنفسه وحرم الخـروج عليه . أما المثقفين منهم فقـد أمنوا بأن الدجاج يـحـيـض ويـلـد وأن السمـاء أرسـلـت جـنـود تقاتـل مع القذافي ، وأنه غـيب ليخرج أخر الزمان إماماً مهدياُ .
إن العـدالة الانتقـالية والمصـالحـة الـوطنية تتطـلب منـا استقراء هذا الـواقع وقـرأتـه قـرأت صحيحـة لـكـي نتجـاوز بالفعـل المـرحـلة الراهـنة . فـالأمـر يحـتم علـينـا أن نتكاتف جميعــاً وندوس على جراحنـا وننســى أوجاعـنـا لكي نـسـتطـيع أن نـقـف ونعـاود المسير .
صحيح قـد يقـول البعـض أن الحـديث عـن العـدالة الانتقالية سـابـق لأوانـه و أنـه يـجـب تأجـيل الكـلام عـن المصالحة حتى تنقضي عـدة الأرامـل مـن النسـاء الـذيـن فقـدوا أزواجهـم أثنـاء الـثـورة و تلتئم جراح المصابين ولكن ، أقـول أن السلـم الاجتماعي الذي نعيشه اليوم معـرض للانهـيـار في أيـة لحظـة و دخـول البـلاد في دوامة الفوضى بكل ما تحمله الكلمة من معنى .
كما يـشـترط في العدالة الانتقالية لكي تنجح وتستمر المصالحة أن تكـون مبنية على أسس علمية و مـوضوعـية ، وليست مصـالحـة قـائمة على تقبيل الجبين . أن هذه الطريقة البدائية قد يعتمد عليها كصلح في المشاكل داخل الأسرة ، ولكن الا تصلح كمصالحة وطنية ولهذا فشلة في العديد من الصراعات الكبيرة بين القبائل .
إن العدالة تفترض إعطاء المجتمع المدني الدور الأبرز لكي يـسهـم في التـوعـيـة بضرورة الانتقال من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة وكذلك أيـضـاً ، تفـعـيل الإعـلام وجعله يلعب دوراً مهماً يقـع على عاتقـه العبء الأكـبر لتأهيل المـواطـن للمـرحلـة القادمـة والخـروج بـه من فكرة المؤيد والمعـارض إلى فكرة المصـالحة والإصـلاح و دفـعـه للحـوار والتسـامح ، ان الامر يتطلب استـقطـاب العـناصـر الوطنية المؤثـرة من رجال دين وسياسـة وأخصائيين اجتماعين وتربويين لهذا الغرض .
إن العـدالة الانتقـالية في ليبيا تـتطـلب قـبل ذلك كـله عـودة هـيبة الـدولة أولاً وذلك ، بـوضــع بـرنامج وطــني وخـطـة شاملة لنزع السلاح وتفعيل سلطات الدولة وخاصـة السلطة القضائيـة وأن تكـون العـدالة ناجـزه وســريعــة . فــلأمــر يـفـترض اعـتراف من الجاني بجرمـه وأنه يجب جـبر الضـرر وتعــويض الـضـحـية ، و لا ينبغـي التســرع فـي إنجـاز العـــدالة لـكي لا يـعـود ذلك بسلب على المصالحة ، لـذا يـجب إصـدار قـانون يقـنن العـدالة والمصـالحة و لا ينبغي لنا أن نتكلم على عـدالة انتقالية في ظل غياب للعدلة و القانون ولا يمكن الحـديث حول المصالحـة في ظل غـيـاب قانـون للعفو العام . إن غـنـاء عصفور واحد لا يكفي لصناعة الربيع ...
عــ ليبيا ـشـت حرة
عمران غنية
المستشار القانوني
إن الصراع القائم في ليبيا ليس وليد هذه اللحظة أنما هو صراع موجـود مـند فترة ليست بـقريبـة ، فسـياسـة القمع وإسكات الأفواه التي تبناها النظام السابق كانت تلجم هذه الصراعات وتقلل من حدتهـا لمصلحته .
فمن جهـة نجـد أن أغـلب تلك الصـراعات تـكـون على نـقـاط التماس بـين الـقـبائل المـتجـاورة بـســبب نـزاع عـلى الحـدود أو الـزراعـة أو الـرعي . ومـن جهـة أخـرى ، نجـد أن ثورة 17 فبراير كانت احد أهم التجارب في تحـديد مـدى حــدة الصـراع والـدور الـذي مـارسـه نظـام الطاغية خـلال الـثـورة لتـأجـيج الـنـعـرة بـين القـبائـل، وهـذا الأمـر يبـدو واضحـاً للعـيان . فـإذا ألـقـينـا الـضـوء عـلى قبائـل المـنطـقـة الشــرقـية نجد أن الـصـراع يكـاد يتـلاشـى وينـتهي عـنـد قبائل الشـرق اللـيبي رغـم أن التأثـير القـبلي أكثر تعقـيداُ هـناك ، ولعـل السبب الرئيس وراء ذلك يعـود إلـى أن هـذه المناطق تـحـررت مـع بداية الثورة ، في حـين نـرى أن قـبائل منـاطق الغرب من ليبيا ضلت تقاوم كتائب القدافي ووصل الصراع أحياناً إلى دورتـه .
فقد عمل نظام القذافي المقبور على المورث القبلي طـيلـة أربـعـة عقـود و نيف ، وخـلال الثـورة ظهـرت الوجـوه الحـقيقية التـي كـانت تحكم ليبيا وراء الكـواليس فحـرك ألته الإعلامية وجلب زبانيته ومرتزقته ليخوض حـربه على شعبـه ، و استـغل انـدفـاع بعـض الشـباب المغـيبين بإيهـامهـم أن مـا يجـري في ليبيا هو احـتـلال وان الوطنية تحتم عليهم الدفاع عن الوطن ، كما قام بإطلاق صراح السجـناء المحكومين في قضـايا القـتل و تـهـريب المـخـدرات والجـج بهـم في الجبهـات للسـرقـة وهـتـك الأعـراض ، واستغـل أمـية وجهـل كـبار السـن وصور لهـم أنـه صـمـام أمـان للشعـب الليبي وأن وجـوده يعني الأمن وأن كل ما يحدث على الساحـة مـن اغـتصاب وهـتك للعـرض مـن فعـل جـماعـات الثـوار ، كمـا استغل الجـانب الـديني فأحـضـر أحـبـاره ورهبانه وسـتخف بقـومه فـأطـاعوه وإدعـاء المـلك لـنفسه وحرم الخـروج عليه . أما المثقفين منهم فقـد أمنوا بأن الدجاج يـحـيـض ويـلـد وأن السمـاء أرسـلـت جـنـود تقاتـل مع القذافي ، وأنه غـيب ليخرج أخر الزمان إماماً مهدياُ .
إن العـدالة الانتقـالية والمصـالحـة الـوطنية تتطـلب منـا استقراء هذا الـواقع وقـرأتـه قـرأت صحيحـة لـكـي نتجـاوز بالفعـل المـرحـلة الراهـنة . فـالأمـر يحـتم علـينـا أن نتكاتف جميعــاً وندوس على جراحنـا وننســى أوجاعـنـا لكي نـسـتطـيع أن نـقـف ونعـاود المسير .
صحيح قـد يقـول البعـض أن الحـديث عـن العـدالة الانتقالية سـابـق لأوانـه و أنـه يـجـب تأجـيل الكـلام عـن المصالحة حتى تنقضي عـدة الأرامـل مـن النسـاء الـذيـن فقـدوا أزواجهـم أثنـاء الـثـورة و تلتئم جراح المصابين ولكن ، أقـول أن السلـم الاجتماعي الذي نعيشه اليوم معـرض للانهـيـار في أيـة لحظـة و دخـول البـلاد في دوامة الفوضى بكل ما تحمله الكلمة من معنى .
كما يـشـترط في العدالة الانتقالية لكي تنجح وتستمر المصالحة أن تكـون مبنية على أسس علمية و مـوضوعـية ، وليست مصـالحـة قـائمة على تقبيل الجبين . أن هذه الطريقة البدائية قد يعتمد عليها كصلح في المشاكل داخل الأسرة ، ولكن الا تصلح كمصالحة وطنية ولهذا فشلة في العديد من الصراعات الكبيرة بين القبائل .
إن العدالة تفترض إعطاء المجتمع المدني الدور الأبرز لكي يـسهـم في التـوعـيـة بضرورة الانتقال من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة وكذلك أيـضـاً ، تفـعـيل الإعـلام وجعله يلعب دوراً مهماً يقـع على عاتقـه العبء الأكـبر لتأهيل المـواطـن للمـرحلـة القادمـة والخـروج بـه من فكرة المؤيد والمعـارض إلى فكرة المصـالحة والإصـلاح و دفـعـه للحـوار والتسـامح ، ان الامر يتطلب استـقطـاب العـناصـر الوطنية المؤثـرة من رجال دين وسياسـة وأخصائيين اجتماعين وتربويين لهذا الغرض .
إن العـدالة الانتقـالية في ليبيا تـتطـلب قـبل ذلك كـله عـودة هـيبة الـدولة أولاً وذلك ، بـوضــع بـرنامج وطــني وخـطـة شاملة لنزع السلاح وتفعيل سلطات الدولة وخاصـة السلطة القضائيـة وأن تكـون العـدالة ناجـزه وســريعــة . فــلأمــر يـفـترض اعـتراف من الجاني بجرمـه وأنه يجب جـبر الضـرر وتعــويض الـضـحـية ، و لا ينبغـي التســرع فـي إنجـاز العـــدالة لـكي لا يـعـود ذلك بسلب على المصالحة ، لـذا يـجب إصـدار قـانون يقـنن العـدالة والمصـالحة و لا ينبغي لنا أن نتكلم على عـدالة انتقالية في ظل غياب للعدلة و القانون ولا يمكن الحـديث حول المصالحـة في ظل غـيـاب قانـون للعفو العام . إن غـنـاء عصفور واحد لا يكفي لصناعة الربيع ...
عــ ليبيا ـشـت حرة
عمران غنية
المستشار القانوني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق