السبت، 30 يونيو 2012

العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية


         أي عـدالة نرجـوهـا تـحت صوت الرصاص وانفجار الصواريخ ، كيف لنا إيجـاد دواء لـداء اسـتعـصى على كثير من الليبين . انه لـمن المجـحـف أن يفلت الجاني من الحساب ، كما إنه  ليست من المروة في شي ء أن يُهجر المـواطن داخـل بلده ويصبح غريبـا في وطـنه وبين أهله بدون جرم اقترفه  .
إن الصراع القائم في ليبيا ليس وليد هذه اللحظة أنما هو صراع موجـود مـند فترة ليست بـقريبـة ، فسـياسـة القمع وإسكات الأفواه التي تبناها النظام السابق كانت تلجم هذه الصراعات وتقلل من حدتهـا لمصلحته .
فمن جهـة نجـد أن أغـلب تلك الصـراعات تـكـون على نـقـاط التماس بـين الـقـبائل المـتجـاورة بـســبب نـزاع عـلى الحـدود أو الـزراعـة أو الـرعي . ومـن جهـة أخـرى ، نجـد أن ثورة 17 فبراير كانت احد أهم التجارب في تحـديد مـدى حــدة الصـراع والـدور الـذي مـارسـه نظـام الطاغية خـلال الـثـورة لتـأجـيج الـنـعـرة بـين القـبائـل، وهـذا الأمـر يبـدو واضحـاً للعـيان . فـإذا ألـقـينـا الـضـوء عـلى قبائـل المـنطـقـة الشــرقـية نجد أن الـصـراع يكـاد يتـلاشـى وينـتهي عـنـد قبائل الشـرق اللـيبي رغـم أن التأثـير القـبلي أكثر تعقـيداُ هـناك ، ولعـل السبب الرئيس وراء ذلك يعـود إلـى أن هـذه المناطق تـحـررت مـع بداية الثورة  ، في حـين نـرى أن  قـبائل منـاطق الغرب من ليبيا ضلت تقاوم كتائب القدافي  ووصل الصراع  أحياناً إلى دورتـه  .

فقد عمل نظام القذافي المقبور على المورث القبلي طـيلـة أربـعـة عقـود و نيف ، وخـلال الثـورة ظهـرت الوجـوه الحـقيقية التـي كـانت تحكم ليبيا وراء الكـواليس فحـرك ألته الإعلامية وجلب زبانيته ومرتزقته ليخوض حـربه على شعبـه ، و استـغل انـدفـاع بعـض الشـباب المغـيبين بإيهـامهـم أن مـا يجـري في ليبيا هو احـتـلال وان الوطنية تحتم عليهم الدفاع عن الوطن ، كما قام بإطلاق صراح السجـناء المحكومين في قضـايا القـتل و تـهـريب المـخـدرات والجـج بهـم في الجبهـات للسـرقـة وهـتـك الأعـراض ، واستغـل أمـية وجهـل كـبار السـن وصور لهـم أنـه صـمـام أمـان للشعـب الليبي وأن وجـوده يعني الأمن وأن كل ما يحدث على الساحـة مـن اغـتصاب وهـتك للعـرض مـن فعـل جـماعـات الثـوار ، كمـا استغل الجـانب الـديني فأحـضـر أحـبـاره ورهبانه وسـتخف بقـومه فـأطـاعوه وإدعـاء المـلك لـنفسه وحرم الخـروج عليه . أما المثقفين منهم فقـد أمنوا بأن الدجاج يـحـيـض ويـلـد وأن السمـاء أرسـلـت جـنـود تقاتـل مع القذافي ، وأنه غـيب ليخرج أخر الزمان إماماً مهدياُ .

إن العـدالة الانتقـالية والمصـالحـة الـوطنية تتطـلب منـا استقراء هذا الـواقع وقـرأتـه قـرأت صحيحـة لـكـي نتجـاوز بالفعـل المـرحـلة الراهـنة . فـالأمـر يحـتم علـينـا أن نتكاتف جميعــاً وندوس على جراحنـا وننســى أوجاعـنـا لكي نـسـتطـيع أن نـقـف ونعـاود المسير .
صحيح قـد يقـول البعـض أن الحـديث عـن العـدالة الانتقالية سـابـق لأوانـه و أنـه يـجـب تأجـيل الكـلام عـن المصالحة حتى تنقضي عـدة الأرامـل مـن النسـاء الـذيـن فقـدوا أزواجهـم أثنـاء الـثـورة و تلتئم جراح المصابين ولكن ، أقـول أن السلـم الاجتماعي الذي نعيشه اليوم معـرض للانهـيـار في أيـة لحظـة و دخـول البـلاد في دوامة الفوضى بكل ما تحمله الكلمة من معنى  .
كما يـشـترط في العدالة الانتقالية لكي تنجح وتستمر المصالحة أن تكـون مبنية على أسس علمية و مـوضوعـية ، وليست مصـالحـة قـائمة على تقبيل الجبين . أن هذه الطريقة البدائية قد يعتمد عليها كصلح في المشاكل داخل الأسرة ، ولكن الا تصلح كمصالحة  وطنية ولهذا فشلة في العديد من الصراعات الكبيرة بين القبائل .
إن العدالة تفترض إعطاء المجتمع المدني الدور الأبرز لكي يـسهـم في التـوعـيـة بضرورة الانتقال من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة وكذلك أيـضـاً ، تفـعـيل الإعـلام وجعله يلعب دوراً مهماً يقـع على عاتقـه العبء الأكـبر لتأهيل المـواطـن للمـرحلـة القادمـة والخـروج بـه من فكرة المؤيد والمعـارض إلى فكرة المصـالحة والإصـلاح و دفـعـه للحـوار والتسـامح ،  ان الامر يتطلب استـقطـاب العـناصـر الوطنية  المؤثـرة من رجال دين وسياسـة وأخصائيين اجتماعين وتربويين لهذا الغرض .
إن العـدالة الانتقـالية في ليبيا تـتطـلب قـبل ذلك كـله عـودة هـيبة الـدولة أولاً وذلك ، بـوضــع بـرنامج وطــني وخـطـة شاملة لنزع السلاح وتفعيل سلطات الدولة وخاصـة السلطة القضائيـة وأن تكـون العـدالة ناجـزه وســريعــة . فــلأمــر يـفـترض اعـتراف من الجاني بجرمـه وأنه يجب جـبر الضـرر وتعــويض الـضـحـية ، و لا ينبغـي التســرع فـي إنجـاز العـــدالة لـكي لا يـعـود ذلك بسلب على المصالحة ، لـذا يـجب إصـدار قـانون يقـنن العـدالة والمصـالحة و لا ينبغي لنا أن نتكلم على عـدالة انتقالية في ظل غياب للعدلة و القانون ولا يمكن الحـديث حول المصالحـة في ظل غـيـاب قانـون للعفو العام . إن غـنـاء عصفور واحد لا يكفي لصناعة الربيع ...

عــ ليبيا ـشـت حرة

عمران غنية

المستشار القانوني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق